قصص وعبر من الحياة
القصة الأولى
بيوم من الأيام بينما كان رجل يجلس بصالون الحلاقة ينتظر دوره دخل طفل فجأة، همس الحلاق إلى الرجل في أذنه قائلا: “أترى هذا الطفل، إنه أغبى طفل رأيته في كل حياتي، وسأثبت لك كلامي حالا”.
وضع الحلاق بإحدى يديه درهما وباليد الأخرى خمسة وعشرين فلسا، وطلب من الطفل أن يختار أحد المبلغين، فاختار الطفل الخمسة وعشرين فلسا ورحل، ابتسم الحلاق للرجل وقال: “هكذا حاله في كل مرة، يأخذ الخمسة وعشرين فلسا ويترك الدرهم، ألم أخبرك بأنه أغبى طفل ممكن أن تراه بحياتك؟!”
بعدما أنهى الحلاق عمله رحل الرجل، وبينما كان في طريقه إلى العودة إلى منزله رأى نفس الطفل يخرج من محل للآيس كريم، كان هناك فضولا لدى الرجل يريد أن يعرف الإجابة من الطفل عن السبب وراء اختياره في كل مرة الخمسة وعشرين فلسا، وقد كانت إجابة الطفل صادمة إلى أبعد الحدود: “أتعرف حينما أختار الدرهم يوما ستنتهي اللعبة وسيكون الخاسر حينها أنا!”.
<><>
القصة الثانية
يحكى أنه كان هناك رجلا يداوم على قراءة القرآن ولكنه لا يحفظ منه شيئا على الإطلاق، وبيوم من الأيام سأله ابنه: “يا أبتي أنتَ دائما تقرأ القرآن ولكنك لا تحفظ منه شيئا، أريدك اليوم أن تخبرني ما فائدة قراءتك للقرآن دون حفظه، فإني أجدها دون نفع”.
أجابه والده: “سأخبرك بفائدة قراءة القرآن حتى وإن لم تحفظ منه شيئا ولكن بعدما تتم لي هذه المهمة، املأ هذه السلة (سلة مصنوعة من القش يضعون بها الفحم) من ماء البحر”.
تعجب الابن قائلا: “أملأ ماذا؟!، كيف يا أبتي وأنت تعلم أنها من القش؟!”
الوالد: “حاول على الأقل، ألا تريد أن تعلم الفائدة؟!”
حاول الابن بكل جهده، ولكن الماء كان بكل مرة يتسرب من السلة، حاول مرارا وتكرارا حتى اعتراه التعب وأرهقه، حينها رجع إلى والده وأخبره باستحالة حدوث ما طلب منه…
الوالد: “يا بني تمعن بنظرك جيدا في السلة، وأخبرني هل من تغيرات طرأت عليها؟”
الابن: “نعم يا أبتاه، لقد أصبحت نظيفة بعدما أزال عنها ماء البحر بقايا الفحم التي كانت تلتصق بها”.
الوالد: “الآن أستطيع أن أخبرك ما فائدة قراءة القرآن حتى دون حفظ كلمة واحدة منه، إن الحياة بأمورها تجعل قلبنا مغلفا بالذنوب والمعاصي وقراءة القرآن تنظف قلبنا وتزيل عنه كل ما خلفته أمور الدنيا كما فعلت مياه البحر بسلة القش عندما أزالت عنها رواسب الفحم العالقة بها”.
القصة الثالثة
<><>
القصة الثالثة
قصة في غاية الروعة والجمال…
بيوم من الأيام دخل أحد الدكاترة الجامعيين بقاع المحاضرة، وسأل طلابه على الفور سؤالا واضحا: “من منكم جرب بيوم من الأيام نشر الخشب؟!”
أجاب جميع الحضور بالموافقة ردا على سؤاله، فسألهم سؤالا آخر: “ومن منكم جرب في يوم من الأيام نشر نشارة الخشب؟!”
أجابوه جميعا بالنفي، ضحك وأخبرهم قائلا: “أكيد لا يوجد من يقوم بنشر ما تم نشره مسبقا، تعلمون عندما نفكر في الماضي وينتابنا الشعور بالقلق حيال أحداثه حينها نكون ننشر نشارة الخشب!”
<><>
القصة الرابعة
بيوم من الأيام دعي رجل عجوز إلى مجلس ضم العديد من كبار القوم، وحينما أراد الرجل العجوز الرحيل من المجلس أمسك عصاه التي يتوكأ عليها بالمقلوب لذلك فقد اختل توازن سيره؛ وعندما رآه القوم سائرا بهذه الطريقة التي تعجبوا كثيرا منها حكموا عليه سريعا وقالوا: “إنه قد كبر عمره وخف عقله لدرجة أنه أصبح لا يقدر على التفرقة بين رأس العصا من منتهاها”.
ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة ورد عليهم جميعا بصوت يغلبه الهدوء والسكينة: “إنني خشيت أن أوسخ لكم الفراش بما يلتصق من تراب بنهاية العصا، فكما تعلمون جميعا كم تلم نهاية العصا من أوساخ وأتربة”.
لا تحكم على الناس من ظاهرهم فق، فربما يكونون على درجة من الحكمة تفوق كل توقعاتك وخيالك، ولا يصيبك من الاستعجال في الحكم عليهم سوى الندم.
هل حكمت يوما على شخص واستعجلت في حكمك عليه وأصابك بعدها ندم (احكي لنا).
القصة الخامسة
<><>
القصة الخامسة
من أجمل القصص التي ورد ذكرها بالماضي، بيوم من الأيام كان هناك ملكا عظيما يحكم مملكة عظيمة، وفي إحدى الليالي سمع ذلك الملك العظيم سائس خيله يقلل من شأن وأصالة فرسته القربة لديه، لم يتحمل الملك ما قاله السائس في حقها، لذلك سأله حانقا على الفور: “وما أدراك بأنها ليست بأصيلة؟!”
أجابه السائس وكله خوف منه: “سامحني يا سيدي، لقد قلت ما قلته بسبب معرفتي الطويلة بالخيول، إني أعمل على رعاية الخيول منذ طفولتي، ومن البديهي أن أكون على دراية كاملة بكل شئونها؛ الخيول الأصيلة لا تأكل من العلف إلا جيدها، وعندما تأكل تكون دائما مرفوعة الرأس على عكس فرستك يا سيدي، فهي تأكل وترعى كما تفعل الحمير لا الخيول الأصلية”.
استاء الملك مما قاله سائسه فأمر على الفور بسجنه، كما أمر رجاله بمنعه عن الطعام إلا بإذن خاص وشخصي منه لا من غيره؛ ومن حظ السائس الجيد أنه كان يوجد رجلا حكيما شاهد كل ما دار بين الملك وبين السائس، وبعد أن استعاد الملك هدوء روعه ورباطة جأشه حدثه الحكيم في أمر سائسه: “من كلامه يبدو عليه المعرفة بأمور الخيول، لم لا تتقصى حقيقة ما قاله في حق فرستك، وتبحث وتتحقق من حقيقة أصلها، وبعدما تعرف الحقيقة يمكنك أن تفعل ما يحلو لك معه؟!”
اقتنع الملك بكلام الرجل الحكيم فأمر أمهر رجاله بالبحث والتقصي عن حقيقة أصل فرسته، وبعد أيام قلائل من مواصلة البحث أخبره أمهر رجاله: “يا مولاي لقد كان سائس خيولك السابق يربط حمارته في الإسطبل الملكي، وكانت حينها فرستك مازالت رضيعة، فكانت ترضع من ثدي حمارته حتى كبرت واشتد عودها”.
شعر الملك بالذنب تجاه سائسه الذي ظلمه باستعجاله في الحكم عليه وسجنه قبل التحقق من صدق كلامه، لذلك أرسل على الفور أمرا بإطلاق سراحه وإحضاره إليه، فرح السائس كثيرا بإطلاق سراحه كما خاف كثيرا من طلب الملك في استدعائه..
الملك: “لقد اتضح لي أنك رجل حيم فعلا وتتمتع برجاحة العقل، وكلامك ميزان لا يمكن الجدل فيه، لذلك قررت أن أعينك المسئول الأول والأخير عن جناح زوجتي الملكة الخاص، ترعى كل المصالح الخاصة بها، وأحدد لك مهلة عشرة أيام من أجل أن تزن أخلاق زوجتي بميزان حكمتك ورجاحة عقلك، وأمرت لك بمكافئة خاصة فلك نصف دجاجة في الغداء ومثلها في العشاء، وعليك أن تصدقني حكمك”.
مضى السائس لإنجاز ما كلفه به الملك، وبعد انتهاء المدة التي أمهله إياها الملك أمر في طلبه، ولكنه لم يجده فاشتد غضبا عليه وأمر جنوده بالبحث عنه في كل مكان وإلقاء القبض عليه وجلبه إليه مكبلا، وبالفعل تم ما أمرهم به، وعندما أحضروه سأله الملك: ” ما الذي جعلك تفر هاربا مني؟!”
السائس: “يا مولاي، لقد كلفتني بما لا أطيق ولا أحتمل، أخاف إن قلت شيئا في حق زوجتكم أدفع رقبتي ثمنا لذلك”.
الملك: “هل وجدت شيئا على زوجتي سليلة الحسب والنسب، وبنت الأمراء وأشراف القوم؟!”
لم يتكلم السائس خوفا من غضب الملك، ولكنه عندما أمنه الملك ووعده بعدم معاقبته مهما قال، أجابه: “يا مولاي من أخبرك بأن زوجتك ابنة أمراء، إنها حقا تتصرف مثلهم ولكنها ليست ذات نسب وحسب”.
استشاط الملك غضبا ولكنه لم يظهره، فأرسل إلى أبوي زوجته وتوعدهما إن لم يقولا الصدق، وسألهما عن أصل زوجته، فأجابت المرأة قائلة: “يا مولاي إن أباك كان يريد بمصاهرتنا توسيع رقعة ملكه، وكانت لدينا ابنة تبلغ من العمر عامان خطبها لك، ولكن ابنتنا توفيت فخشينا من بطش والدك، فلن يصدقنا إذا أخبرناه بوفاة ابنتنا الوحيدة وسيظن بأننا لا نريد مصاهرته، ومن المحتمل أن يحرمنا من كل شيء، فذهبنا إلى طراف مملكتنا حيث يسكن قوم من الغجر، واشترينا صغيرة بمثل عمر ابنتنا الراحلة، عهدنا إلى تربيتها كبنات الأمراء، وعندما استوت زوجناها بك ووفينا بوعدنا لوالدك وأمنا شره، فزوجتك من أصل الغجر ولكنها تربية أمراء”.
أرسل الملك إلى السائس على الفور وسأله: “صدقت ولكن أخبرني كيف غرفت ذلك؟”
السائس: “بالنظر إلى زوجتك يا مولاي، فكل طباعها طباع ملوك وأمراء غير أن بها من الوضاعة وقلة الحياء ما يدل على طبيعة أصلها الغير شريف”.
الملك: “بعدما تأكدت من حكمتك التي أنعم الله بها عليك، أريدك أن تزنني بميزانك، آه لقد أمرت لك الخدم بتقديم لحم الغنم في الغداء والعشاء”.
السائس: “لن أستطيع يا مولاي، فهلاكي في ذلك أمر محتوم”.
تعجب الملك من كلامه فأخبره: “وإن لم تفعل فهلاكك المحتوم أيضا”.
أجابه سائسه ولكن بعدما طلب منه الانفراد به: “يا مولاي إنك لست من سلالة الملوك، وأتقين من قطعك لرأسي ولكن تأكد قبل أن تفعل ذلك وتقتلني ظلما، اسأل من عنده يقين القول وصدق الخبر”.
ذهب الملك على الفور إلى والدته واستحلفها لتصدقه القول، فقالت: “لقد كان والدك عقيما، وبكل عام يتزوج امرأة جديدة بعدما يقطع رأس من كانت معه، وأوقعني حظي العسر في طريقه، وبعد مرور ثلاثة شهور من زواجه بي، أيقنت أن لا نجاة من الموت، لذلك اختليت بطباخ القصر وحملت بك، وسلمت من بطش الملك الجبار وامتلكت السلطة والحياة”.
رجع إلى السائس وتوعده بهلاكه إن لم يخبره بما وجده من أمره، فأخبره: “إن الملوك العظماء عندما يأمرون بهدية يأمرون بما يليق بمكانتهم، أما ابن الطباخ فيأمر بما يحن له أصل أبيه وأجداده!”
شاركنا بقصة وعبرة من الحياة إن أمكن.